“الشرق الأوسط ليس بحاجة إلى مساعدات، بل إلى استثمار قدراته البشرية وموارده”

“What is most needed in the Middle East is investment in human capital and resources.”

See my first publication in Arabic on www.swissinfo.ch

من أجل تجنب وقوع كارثة جديدة مثل انفجار بيروت في الرابع من أغسطس، فإننا بحاجة إلى إنشاء هياكل مستقرة محليًا وخلق مناخ جيد وبيئة قادرة على استثمار الموارد المتاحة بنجاح، يقول لوكاس بيك، مهندس المياه السويسري.هذا المحتوى تم نشره يوم 26 أكتوبر 2020 – 14:00 يوليو,

26 أكتوبر 2020 – 14:00لوكاس بيك

 انفجار 2750 طنًا من نترات الأمونيوم في ميناء بيروت في 4 أغسطس الماضي، أدى إلى تشريد حوالي 300 ألف شخص وتدمير العديد من المنازل. على التلفزيون السويسري شاهدت الانتشار الفوري لفريق صغير قدم من سويسرا لتقديم الدعم في المجال الطبي ودعم المباني الآيلة للسقوط. “حتى قبل الانفجار، لم يذهب دعم سويسرا أبدًا إلى المؤسسات الحكومية. وسنواصل التركيز على المحتاجين”. هكذا صرحت مونيكا شموتز، سفيرة سويسرا في لبنان.

قبل ثلاثة أيام فقط من وقوع الانفجار كنت في بيروت – كانت المدينة موطني حتى وقت قريب. عملت فيها لعدة سنوات في إطار مشروع للمياه بتكليف من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. واليوم ، أصبحت بيروت  بالنسبة لي نقطة  البداية لمشاريع أخرى. كنت أتابع الأخبار في هذا الوقت بقلق. وأتساءل كيف حال أصدقائي، ما حجم الدمار، الذي لحق ببيروت؟ وكيف تقدم سويسرا المساعدة؟

منذ وقت وأنا أتابع التطورات الأخيرة في لبنان بقلق كبير: شهت البلاد احتجاجات متواصلة منذ عام تقريبًا، انهياراً اقتصادياً، تضخماً هائلاً، بطالة، وتفشي وباء كورونا وذلك في بلد ثلث السكان هم لاجئون من سوريا.  ثم أتى هذا الانفجار، الذي كشف نتيجة سنوات من التراخي من قبل الحكومة اللبنانية، ليزيد الطين بله. تصريح السفيرة السويسرية بأن الأموال لن تذهب إلى الدولة اللبنانية بل إلى الشعب مباشرة، مرض للغاية. فلقد رأيت وسمعت بنفسي الكثير  عن تفشي الفساد في البلاد – على سبيل المثال من أموال المساعدات التي ينتهي بها الأمر في حسابات خاصة أو يتم استخدامها بالكامل لأغراض أخرى غير المخصصة لها.

في ظل هذه الظروف، تخطر ببالي أسئلة: هل كل ما نقوم به هناك هباء أو ربما يدعم الفساد؟ هل مساعدتنا منطقية على الإطلاق؟ هل يمكنني إحداث فرق من خلال عملي في الشرق الأوسط؟ هل مساعداتنا تجعل الناس يعتمدون علينا؟ هل تأتي مساعدتنا بنتائج عكسية؟ هل مساعدات التنمية شكل من أشكال الاستعمار الجديد؟ هل مساهماتنا فعّالة في محاربة التعصب الديني أم أننا نشجعه فقط؟ هذه بعض الأسئلة!

الأسئلة المتعلقة بفوائد وسلبيات المساعدات في مجال التعاون الدولي وكذلك في المجال الإنساني معتادة وتطرأ على بال أي شخص يعمل في هذا الحقل. لكن بغض النظر عن مدى صغر حجم الدعم المقدم: ففي كثير من الأحيان، لا يكون حجم الدعم هو العامل الحاسم، بل نوعيته.

التزام سويسرا تجاه المجتمع واللاجئين وعند وقوع الكوارث في الشرق الأوسط صغير نسبيًا. للمقارنة، أنفقت سويسرا 14 مليون فرنك في لبنانرابط خارجي عام 2019، بينما بلغ حجم المساعدات المقدمة من الولايات المتحدةرابط خارجي أكثر من 400 مليون فرنك.

“سويسرا ليس لديها أجندة خفية”

ومع ذلك، فإن سمعة سويسرا ومساهمات السويسريين في لبنان جيدة. الدعم السويسري لا يعني بالضرورة استثمارات كبيرة في البنية التحتية، بل الحياد والموثوقية والجودة العالية. فمن وجهة نظر الكثير من الناس في الشرق الأوسط، سويسرا ليس لديها أجندة خفية وهي ضامنة لقوانين حماية حقوق الإنسان.

في الشرق الأوسط، غالبًا ما تقدم سويسرا الدعم الاستراتيجي والسياسي المحلي. ولبنان، الذي أعرفه مثال على ذلك. يتعلق الدعم السويسري بخلق بيئة يتم فيها تنفيذ المشاريع عبر استغلال الخبرة المحلية. لولا علاقاتي وتواصلي مع المتخصصين في الموقع، لم أكن لأحقق أي شيء في عملي السابق في لبنان على وجه الخصوص، غالبًا ما يكون الناس مدربين تدريباً جيداً للغاية. هناك قاعدة جيدة من المهندسين المؤهلين تأهيلا عاليا ومتخصصي تكنولوجيا المعلومات والأطباء والحرفيين والبنائين كذلك. وبالتالي فإن الحاجة إلى مزيد من الخبراء في هذا المجال أقل.

في هذا السياق تقدم سويسرا الدعم الاستراتيجي، وهذا يعني، على سبيل المثال، المساعدة في إدارة المشروع وضمان وجود هياكل إدارية شفافة والتواصل والجودة وإدارة الوقت و تنظيم العمليات والتعاون.

يضاف إلى ذلك العمل السياسي، وهو اختصاص سويسري بالدرجة الأولى، ويشمل ذلك الوساطة بين الأطراف المتنازعة أو المشاريع التكاملية. أو توفير منصة مستقلة في حال وجود خلافات، ففي إطار المشاريع السويسرية يتم تصميم المشاريع بطريقة يتم فيها إنشاء تعاونات جديدة.

لا تتعلق المساهمات السويسرية بإنشاء بنية تحتية كبيرة بقدر ما تتعلق بمساعدة السكان المحليين على تنفيذ المشاريع على المستوى الاستراتيجي والسياسي. فقط المساهمات التي يريدها السكان المحليون حقًا هي التي تتمتع بفرصة دائمة.

في الآونة الأخيرة، تم الانتهاء من محطة ضخ مياه تعمل بالطاقة الشمسية في سهل البقاع. الشيء المميز في المحطة ليس التكنولوجيا، ولكن طريقة تنفيذها ومشاركة عدة قرى ذات توجهات سياسية ودينية مختلفة للغاية. النجاح التقني أقل أهمية، لكن التماسك بين الناس الذي يتم تعزيزه بشكل دائ.

End of insertion

هناك العديد من الأمثلة الأخرى  على تحقيق سويسرا النجاحات، خاصة في المجال الاستراتيجي والسياسي، . مثل مشروع (Eco-Lodgeرابط خارجي) في سهل البقاع بالإضافة إلى المساهمات والتعاون مع المنظمات المحلية للحفاظ على الطبيعة أو التعاون مع المؤسسات الاجتماعية المحلية. يضاف إلى هذا السجل أنشطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تقودها سويسرا وتنشط بشكل خاص في مجالات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي. على صعيد سياسي أكبر، تنشط سويسرا في طهران كساعي بريد ووسيط بين إيران والولايات المتحدة.

عادة ما تتمكن سويسرا من التركيز على المشاريع التنموية دون أن تكون أيديولوجية. وتعمل على المستوى الشعبي بشكل مستقل وبدون أجندة خفية. ومع ذلك، غالبًا ما تأتي المصالح الاقتصادية قبل حقوق الإنسان. ويبدو أن نجاح المنظمات وسمعتها بين المانحين في سويسرا أكثر أهمية من طبيعة المشاريع. ولسوء الحظ، غالبًا ما تتصدر الكفاءة والاقتصاد قائمة الأولويات، وذلك على حساب الاحتياجات المحلية.

تصريح السفيرة السويسرية في لبنان بأن جميع الأموال ستذهب فقط إلى المجتمع المدني ولن

 تقع في قنوات الفساد، يؤشر على أننا نسير في الاتجاه الصحيح. على الرغم من كل الحياد ، يجب أن ننحاز للضعيف والمظلوم. للحصول على مساعدة فعالة، هذا أكثر أهمية من الأمن المالي للمشاريع اوأيضًا أ من العلاقات التجارية السويسرية..

لتجنب كارثة مثل انفجار الرابع من أغسطس، لا يحتاج لبنان ودول الشرق الأوسط الأخرى إلى بنية تحتية ومهندسين، بل إلى إرشادات جيدة في الموقع حول كيفية تحسين إجراءات العمل وكيفية تنظيم إمدادات المياه بشكل أفضل، وكيفية إنشاء هياكل مستقرة محليًا وكيفية خلق مناخ جيد وبيئة قادرة على استثمار الموارد الموجودة بنجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب وحده ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء swissinfo.ch